البحرين- أنور البكر
انهت البعثة السورية مشاركتها في دورة الألعاب الآسيوية الثالثة التي استضافتها مملكة البحرين بالفترة من 20 تشرين الأول ولغاية 31 منه، وتمثلت ألعابنا في ثمان منافسات خرجت جميعها دون تحقيق أي ميدالية.
بالشكل قد تكون نتائج ألعابنا مادة مغرية لمن يود الطعن بعمل الاتحادات التي شاركت في الدورة الآسيوية، ولكن المضمون والواقعية بالتحليل قد تذهب بنا إلى مكان أخر، مفاده ان النتائج كانت واقعية ومتوقعة قياساً لظروف رياضتنا بالعموم وظروف التحضير والمشاركة في هذا الحدث القاري الكبير.
الواقعية تقتضي الاعتراف أولاً أن قاعدة ألعابنا مهترئة وتكاد تكون مندثرة نتيجة سنوات من الإهمال والتهميش والانعزال عن الحضور الخارجي، ما خلا المشاركات الاقليمية الخلبية والهامشية التي لا تغني ولا تسمن، وكان الهدف منها بروباغندا إعلامية تعتمد على معلومات غير دقيقة تستهدف الجانب العاطفي لجمهور الرياضة، عملت عليها اتحادات ألعابنا المتعاقبة، وبتواطؤ مفضوح مع القيادات الرياضية الأعلى لإيهام الجمهور أن ألعابنا بخير.
بداية علينا اليوم الاعتراف أن ألعابنا ليست بخير، فالاعتراف بالمشكلة هو بداية الحل، والحل يجب أن يأتي من اتحادات ألعابنا نفسها وليس من الاعلام أو الجمهور المتابع والمهتم بكل لعبة، وأن تكون عملية التقييم العلمي والموضوعي حاضراً من القيادات الأعلى، وفق منهجية علمية وفنية مرحلية ومستمرة، لتشكيل عامل ضغط وتحفيز لاتحاد الألعاب لتطوير العمل وليس النوم في عسل الأوهام التي خلقتها النتائج في المشاركات الضعيفة والخلبية.
وبالعودة إلى مشاركتنا في الدورة الأسيوية للشباب يمكن الاستنتاج منها أننا نمتلك المواهب الجيدة التي تفتقد للتحضير المناسب وخبرة المشاركات الحقيقية القوية، بل وأحياناً تفتقد حتى للمشاركات الضعيفة، ودليل ذلك أن الغالبية العظمة من اللاعبين واللاعبات المشاركين في الدورة، لم يسبق لهم الحضور الخارجي في أي استحقاق، بل أن بعضهم لم يصعد سلم الطائرة من قبل، في الوقت الذي معظم المشاركين إن لم نقل جميعهم لديهم تجارب خارجية عديدة، وسبق لهم أن اختبروا أجواء البطولات الدولية، وتجاوزوا رهبة الحضور على المسرح الدولي وأمام الجمهور وأضواء الإعلام.
أما فيما يخص التحضير للدورة، فإننا نجزم أن تحضيرات لاعبينا ولاعباتنا لا تتسق مع أهمية ومستوى هذه المشاركة، فالتحضير للبطولة تم على عجل، ولم تتجاوز مدة المعسكرات الاستعدادية المغلقة، الشهر الواحد، وهذا لا يكفي لخوض منافسات بطولة جمهورية، فكيف نطلب أو نتوقع بهكذا تحضير تحقيق ميداليات في استحقاق قاري يشارك في نخبة أبطال وبطلات القارة الصفراء، تم اعدادهم في معسكرات طويلة الأمد تتوفر فيها كافة شروط التطوير والتحفيز لتقديم الأفضل.
مع كل ما سبق، هناك أسئلة تطرح في سياق هذه المشاركة، والإجابة ليست ملكنا كإعلام مواكب أو جمهور متابع، لأنها أسئلة تتناول الشأن الفني لكل لعبة، وفحوى هذه الأسئلة، هل تم اختيار الألعاب المشاركة في الدورة وفق أسس حقيقية وموضوعية وواقعية؟ هل تم اختيار اللاعبين واللاعبات المشاركين وفق تقييم فني صحيح؟ هل فوتنا فرصة المشاركة على ألعاب أخرى كان يمكن أن تقدم ظهوراً أفضل من تلك التي اعتمدناها، هل المشاركة بألعاب حديثة العهد في رياضتنا أو تلك التي ليس لها أي إنجاز يعتد به، على حساب ألعاب اولمبية استراتيجية كالملاكمة والمصارعة والسباحة، كان قراراً صائباً ومبني على معطيات واقعية، وهل وهل…
من جهة أخرى وحتى لا يقال إننا نجلد أنفسنا، وحتى لا نظلم القائمين على الاتحادات في الوقت الحالي نقول: نحن بالعموم ليس لدينا تاريخيا إنجازات في هذه الدورة ما عدا ميدالية يتيمة لبطلة العاب القوى فاطمة ريا، وبالتالي ليس من الانصاف توجيه اللوم إلى اتحادات تشكلت منذ أشهر فقط لعدم إحرازها ميداليات.
ثانيا وهو الأهم أن الدورة كشفت عن عدد من المواهب الواعدة التي يمكن العمل عليها وتأهيلها بشكل علمي ومدروس، لإعادة بناء قواعد ألعابنا ومن ثم فرز النخبة منها لتمثيل الفئات الأعلى فالأعلى وصولاً للمنتخبات الأولى، وهذا يحتاج إمكانات وجهد وصبر لسنوات وليس أيام أو أشهر.
ثالثاً ومن باب الإنصاف حقق بعض اللاعبين واللاعبات حضوراً مشرفا رغم عدم وصولهم إلى منصة التتويج، وهي حقائق يجب لحظها في تقرير قيادة البعثة لإعطاء كل ذي حق حقه، حتى لا يكون التقييم عمومياً لا ينصف المجتهد ولا يظهر المقصر.
بالعموم … رياضتنا كما هو حال بلدنا، في مرحلة إعادة بناء بل ويمكن القول في مرحلة ولادة جديدة، والتسرع بالأحكام، فيه ظلم كبير لمن وجد نفسه أمام واقع صعب وعليه أن يبدأ البناء من الصفر، بل علينا دعم عمله وتحفيزه، شرط أن يكون لديه برنامج عمل واضح وفق استراتيجية محددة إضافة لتقييم مرحلي، لمعرفة حجم الإنجاز ومدى التقدم بعمل كل اتحاد.
أخيراً… المشاركة في دورة الألعاب كانت مهمة، بل وضرورية لعدة اعتبارات، أهمها أنه لا تطور لألعابنا دون مشاركات توفر فرصة الاحتكاك للاعبين واللاعبات وتضعهم بصورة البطولات الدولية، كما أن المشاركات عامل محفز لاستمرارية اللاعبين واللاعبات في المجال الرياضي، فالكثير من المواهب والابطال تعتزل ألعابها نتيجة عدم منحها فرصة الحضور الخارجي، إضافة إلى أنها ضرورة لمعرفة موقع وواقع رياضتنا بالنسبة للأخرين، وحتى بالنسبة للكوادر الفنية والإدارية يعد هذا النوع من الدورات عاملاً مهماً لكسب الخبرات والاطلاع على تجارب الأخرين وتطوير الذات.

